الشركة الأخوية في الكنيسة
2 بط 1: 1 – 7
" سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله الى الذين نالوا معنا ايمانا ثمينا مساويا لنا ببر الهنا والمخلص يسوع المسيح. لتكثر لكم النعمة والسلام بمعرفة الله ويسوع ربنا. كما ان قدرته الالهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الالهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة. ولهذا عينه وانتم باذلون كل اجتهاد قدموا في ايمانكم فضيلة وفي الفضيلة معرفة وفي المعرفة تعففا وفي التعفف صبرا وفي الصبر تقوى وفي التقوى مودة اخوية وفي المودة الاخوية محبة".
1- كلّنا أغصان في الكرمة الواحدة:
لِنُصغِ من جديد إلى كلمات يسوع: "أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام ... أثبتوا فيَّ وأنا فيكم" يو 15: 1، 4
إن الشركة الروحية التي تربط بين الرب وتلاميذه وبين المسيح والمؤمنين، مُعْلَنَة لنا في هذه الكلمات البسيطة. إنها شركة حية ومحيية، يُصبح معها المسيحيون مِلْكاً للمسيح، شأنُهم شأن الأغصان المتحدة بالكرمة، وليسوا مِلكاً لأنفسهم.
إن شركة المسيحيين مع يسوع نجد مثالها ومصدرها وغايتها في شركة الابن مع الآب، عبر هبة الروح القدس: فالمسيحيون متحدون بالآب، من خلال اتحادهم بالمسيح، برباط محبة الروح.
ويُردف يسوع قائلاً: "أنا الكرمة وأنتم الأغصان" (يو 15: 5) فَعَنْ شركة المسيحيين مع المسيح تنجم شركة المسيحيين في ما بينهم، لأنهم جميعاً أغصان الكرمة الواحدة، التي هي المسيح.
إن الرب يسوع يقدم لنا هذه الشركة الأخوية على أنها انعكاس عجيب للحياة الإلهية الخاصة، حياة الحب القائم بين الآب والابن والروح القدس، ومشاركة روحية للمؤمنين في هذه الحياة. وقد صلّى يسوع لقيام هذه الشركة: "ليكون الجميع واحداً، كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك. ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا، ليؤمن العالم أنّك أرسلتني: (يو 17: 21).
إن هذه الشركة هي سر الكنيسة بالذات: قال أحد آباء الكنيسة: "تستمد الكنيسة كشعب الله وحدتها من وحدة الآب والابن والروح القدس". وقد وجه الرسول بولس في ختام رسالته الثانية لأهل كورنثوس التحية بالقول: " نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله ، وشركة الروح القدس مع جميعكم" (2كو 13: 13) هذا يُذكّرنا بوحدة الكنيسة أو الشركة عبر عصورها المختلفة.
2- رسالة الكنيسة ومسؤوليتها في العالم:
بعد أن رسمنا صورة" المؤمنين، علينا الآن أن نتأمل في الرسالة والمسؤولية، اللتين يضطلعون بهما في الكنيسة والعالم. على أن هذا الأمر لا يستقيم فهمُه إلاّ في إطار المضمون الحي للكنيسة أو الشركة.
إن الشركة الأخوية Gemeinschaft المؤسسة على الكتاب المقدس، أَوْلتها الكنيسة الأولى أهمية كبرى. وقد حافظت الكنائس الشرقية على هذا التقليد إلى يومنا هذا. فما هو معنى كلمة "شركة" المتعددة الجوانب؟ إن المقصود منها، في الأساس، هو الشركة مع الله، بواسطة يسوع المسيح، في الروح القدس. والفوز بهذه الشركة يتم عَبْر كلمة الله والمعمودية التي تعتبر المدخل إلى هذه الشركة وأساسها. وكسر الخبز أو المناولة هي مصدر الحياة المسيحية كلها وقمتها. فتناوُل جسد الرب يعني الشركة الخاصة، القائمة بين جمع المؤمنين، في جسد المسيح، الذي هو الكنيسة "كأس البركة التي نباركها اليست هي شركة دم المسيح.الخبز الذي نكسره اليس هو شركة جسد المسيح".(1كو 10: 16)
قال أحد رجال الله: "إن الكنيسة هي شركة القديسين. وهي تعني مشاركة حية مزدوجة: إندماج المسيحيين في حياة المسيح، وسَرَيان ذات المحبة في جماعة المؤمنين كلها، في هذا العالم وفي الآخر: اتحاد بالمسيح وفي المسيح واتحاد بين المسيحيين، ضِمْن كنيسة المسيح".
3- سر الكنيسة هو الشركة:
يصف الرسول بولس الكنيسة بالعروس قائلاً:
"لأننا اعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه. من اجل هذا يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامراته ويكون الاثنان جسدا واحدا. هذا السر عظيم ولكنني انا اقول من نحو المسيح والكنيسة " (أف 5: 30 – 32).
سر الكنيسة هو الشركة في بُعدَيْها المتلازمين: أعني الشركة التي تربط المسيحيين بالمسيح، والشركة التي تربط بين المسيحيين أنفسهم.
تلك هي صُوَر الحظيرة والقطيع والكرمة والبناء الروحي والمدينة المقدسة أورشليم السماوية ، ولا سيما صورة الجسد، الواردة في رسائل بولس الرسول، وتلقب الكنيسة أيضاً "بشعب الله" مستلهماً في ذلك تاريخ الخلاص بكامله. "لم يشأ الله أن يحقق البشر تقديسهم وخلاصهم منفردين، بلا رباط يجمعهم. بل ارتضى، على عكس ذلك، أن يجعل منهم شعباً، يَنْشُد معرفة الله بالحق وخدمته في القداسة".
"واما انتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي امة مقدسة شعب اقتناء لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة الى نوره العجيب. الذين قبلا لم تكونوا شعبا واما الان فانتم شعب الله.الذين كنتم غير مرحومين واما الان فمرحومون"(1بط 2: 9 -10)
الروح القدس الذي وعد به الرب يسوع قبل صعوده إلى السماء ، الذي هو منذ الأزل، رباط الثالوث الأقدس، والذي وحَّد بين ناسوت المسيح ولاهوته، (غلا 4: 4) هذا الروح بالذات هو، على مرّ الأجيال المسيحية، ينبوع الشركة الأخوية الذي لا ينقطع ولا ينضب، في الكنيسة.
4- شركة عضوية: تنوّع وتكامل:
إنّ الشركة الأخوية هي شركة عُضوية، شبيهة بتلك التي تجمع بين أعضاء جسدٍ حيّ وفاعل. إنها تتميّز فعلاً بكونها، في ذات الوقت، متنوعة ومتكاملة، بِتَنَوّع وتكامل ما في الكنيسة من دعواتٍ وأوضاع حياة وخدمات ومواهب ومسؤوليات. وبفضل هذا التنوع وهذا التكامل، يصبح كلٌّ من المؤمنين، على علاقة بالجسد كله، ويُسْهم بنصيبه في خدمة هذا الجسد. ويركّز بولس الرسول بنوع خاص على الشركة العُضوية القائمة في جسد المسيح "إن يسوع المسيح، إذ أرسل روحه إلى إخوته، الذين جَمَعهم من كل الأمم، جعل منهم جسده. وفي هذا الجسد، تتدفّق حياة المسيح في المؤمنين... وكما أن جميع أعضاء الجسد البشري، على تعددها، لا تؤلف إلا جسداً واحداً، كذلك المؤمنون يؤلِّفون جسداً واحداً في المسيح.
"لأنه كما ان الجسد هو واحد وله اعضاء كثيرة وكل اعضاء الجسد الواحد اذا كانت كثيرة هي جسد واحد كذلك المسيح ايضا". (1كو 12:12).
هكذا يتجلّى في بناء جسد المسيح تنوّع مواهبه المختلفة لخير الكنيسة، على قدر غناه، وبقدر ما تحتاجه الكنيسة من خدمات (1كو 12: 1 – 11).
الشركة الأخوية هي هبة كبرى من الروح القدس والمؤمنون مدعوون لأن يتقبّلوها بشكر. وهذا يتحقق فعلاً عن طريق مشاركتهم في حياة الكنيسة ورسالتها، واضعين بتصرّفها خدماتهم ومواهبهم المتنوعة والمتكاملة.
لا يحقّ للمؤمن الانطواء على نفسه والتزام العزلة الروحية عن الجماعة. بل يتوجّب عليه أن يعيش في مشاركة متواصلة مع الآخرين، وفي وعي عميق جداً للأخُوّة، وفي فرح المساواة في الكرامة، فضلاً عن نيته في أن يستثمر مع الآخرين المواهب والوزنات التي يهبها الروح القدسُ له ويدعوه للاضطلاع بمختلف الخدمات والمهمات. ويذكّره، كما يذكّر الآخرين - الذين هم على علاقة به - بأنه إذا امتاز عن غيره فليس بمزيد من الكرامة، بل بأهليته الخاصة والإضافية للخدمة.... وهكذا تندرج، في إطار الشركة، مواهب المؤمن وخدماته ومهماته لخير الجميع، بإرشادات رعاة الكنيسة وشيوخها.
5- أساليب المشاركة في حياة الكنيسة:
إنّ المؤمنين يؤلّفون شعب الله المختار، وجسد المسيح الواحد.
إذا كان كل مسيحي "عضواً" في الكنيسة، فهذا لا يمنعه من أن يكون، في ذاته، "كائناً فرْداً وفريداً"، بل إنّ هذا، على عكس ذلك، يُضفي على تفرُّده مضموناً أعمق، لأنّ هذا التفرّد هو مصدر تنوّع وثراءٍ للكنيسة جمعاء. وانطلاقاً من هذا الواقع، يدعو الله كلاًّ منا، في المسيح، باسمِه الخاص، لتأدية خدمة محددة لبنيان الجسد.
"ليكن كل واحد بحسب ما اخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضا كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة. ان كان يتكلم احد فكاقوال الله.وان كان يخدم احد فكانه من قوة يمنحها الله لكي يتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح الذي له المجد والسلطان الى ابد الابدين.امين" (1 بط 4: 10-11)
إن دعوة الرب القائل: "اذهبوا أنتم أيضاً إلى كرْمي" موجّهة إلى كل منّا شخصياً. وهي تعني أيضاً: "تعال اليوم واعمل في كرمي!"
وهكذا يقدّم كل منا ذاته، في تفرّده غير القابل للاستبدال، لِيُسهم في تنمية الشركة الأخوية، بشخصه وبعمله، كما أنه يتلقى الجعالة ، تلك هي "شركة القديسين" "فما يملكه الجميع يُصبح ملكاً لكل فرد، وما يملكه الفرد يُصبح ملكاً للجميع".
6- المشاركة الشخصية:
يتحتم على كل مؤمن أن يَعي دائماً وعياً عميقاً أنه "كل عضو في الكنيسة" مؤتمن على مهمة فريدة، لا يمكن استبدالها، عليه أن يؤديها لخير الجميع، ولا يجوز له أن ينتدب غيره للقيام بها. وتنطوي الرسالة الشخصية على مواهب، يجب اكتشافها، للقيام بالخدمة العملية. وبفضل هذه الخدمة يمكن أن تنتشر البشارة إلى كل مكان، والمقصود هنا هو الانسجام المستمر بين الحياة الشخصية والإيمان، إذ يشارك المؤمن إخوته مشاركة كاملة في أوضاعهم الحياتية، وفي عملهم وضيقاتهم وآمالهم، وبذلك يستطيع أن يَنْفَذ إلى قلب جيرانه وأصدقائه وزملائه، وينفتح على الأفق الكلّي وعلى مفهوم الحياة الكامل، أعني الشركة مع الله، والشركة بين البشر.
الرب يبارك حياتكم
Admin
المصدر: عظات مختارة ألقيت في كنيسة الرجاء الحي بألمانيا - 2010
2 بط 1: 1 – 7
" سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله الى الذين نالوا معنا ايمانا ثمينا مساويا لنا ببر الهنا والمخلص يسوع المسيح. لتكثر لكم النعمة والسلام بمعرفة الله ويسوع ربنا. كما ان قدرته الالهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الالهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة. ولهذا عينه وانتم باذلون كل اجتهاد قدموا في ايمانكم فضيلة وفي الفضيلة معرفة وفي المعرفة تعففا وفي التعفف صبرا وفي الصبر تقوى وفي التقوى مودة اخوية وفي المودة الاخوية محبة".
1- كلّنا أغصان في الكرمة الواحدة:
لِنُصغِ من جديد إلى كلمات يسوع: "أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام ... أثبتوا فيَّ وأنا فيكم" يو 15: 1، 4
إن الشركة الروحية التي تربط بين الرب وتلاميذه وبين المسيح والمؤمنين، مُعْلَنَة لنا في هذه الكلمات البسيطة. إنها شركة حية ومحيية، يُصبح معها المسيحيون مِلْكاً للمسيح، شأنُهم شأن الأغصان المتحدة بالكرمة، وليسوا مِلكاً لأنفسهم.
إن شركة المسيحيين مع يسوع نجد مثالها ومصدرها وغايتها في شركة الابن مع الآب، عبر هبة الروح القدس: فالمسيحيون متحدون بالآب، من خلال اتحادهم بالمسيح، برباط محبة الروح.
ويُردف يسوع قائلاً: "أنا الكرمة وأنتم الأغصان" (يو 15: 5) فَعَنْ شركة المسيحيين مع المسيح تنجم شركة المسيحيين في ما بينهم، لأنهم جميعاً أغصان الكرمة الواحدة، التي هي المسيح.
إن الرب يسوع يقدم لنا هذه الشركة الأخوية على أنها انعكاس عجيب للحياة الإلهية الخاصة، حياة الحب القائم بين الآب والابن والروح القدس، ومشاركة روحية للمؤمنين في هذه الحياة. وقد صلّى يسوع لقيام هذه الشركة: "ليكون الجميع واحداً، كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك. ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا، ليؤمن العالم أنّك أرسلتني: (يو 17: 21).
إن هذه الشركة هي سر الكنيسة بالذات: قال أحد آباء الكنيسة: "تستمد الكنيسة كشعب الله وحدتها من وحدة الآب والابن والروح القدس". وقد وجه الرسول بولس في ختام رسالته الثانية لأهل كورنثوس التحية بالقول: " نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله ، وشركة الروح القدس مع جميعكم" (2كو 13: 13) هذا يُذكّرنا بوحدة الكنيسة أو الشركة عبر عصورها المختلفة.
2- رسالة الكنيسة ومسؤوليتها في العالم:
بعد أن رسمنا صورة" المؤمنين، علينا الآن أن نتأمل في الرسالة والمسؤولية، اللتين يضطلعون بهما في الكنيسة والعالم. على أن هذا الأمر لا يستقيم فهمُه إلاّ في إطار المضمون الحي للكنيسة أو الشركة.
إن الشركة الأخوية Gemeinschaft المؤسسة على الكتاب المقدس، أَوْلتها الكنيسة الأولى أهمية كبرى. وقد حافظت الكنائس الشرقية على هذا التقليد إلى يومنا هذا. فما هو معنى كلمة "شركة" المتعددة الجوانب؟ إن المقصود منها، في الأساس، هو الشركة مع الله، بواسطة يسوع المسيح، في الروح القدس. والفوز بهذه الشركة يتم عَبْر كلمة الله والمعمودية التي تعتبر المدخل إلى هذه الشركة وأساسها. وكسر الخبز أو المناولة هي مصدر الحياة المسيحية كلها وقمتها. فتناوُل جسد الرب يعني الشركة الخاصة، القائمة بين جمع المؤمنين، في جسد المسيح، الذي هو الكنيسة "كأس البركة التي نباركها اليست هي شركة دم المسيح.الخبز الذي نكسره اليس هو شركة جسد المسيح".(1كو 10: 16)
قال أحد رجال الله: "إن الكنيسة هي شركة القديسين. وهي تعني مشاركة حية مزدوجة: إندماج المسيحيين في حياة المسيح، وسَرَيان ذات المحبة في جماعة المؤمنين كلها، في هذا العالم وفي الآخر: اتحاد بالمسيح وفي المسيح واتحاد بين المسيحيين، ضِمْن كنيسة المسيح".
3- سر الكنيسة هو الشركة:
يصف الرسول بولس الكنيسة بالعروس قائلاً:
"لأننا اعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه. من اجل هذا يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامراته ويكون الاثنان جسدا واحدا. هذا السر عظيم ولكنني انا اقول من نحو المسيح والكنيسة " (أف 5: 30 – 32).
سر الكنيسة هو الشركة في بُعدَيْها المتلازمين: أعني الشركة التي تربط المسيحيين بالمسيح، والشركة التي تربط بين المسيحيين أنفسهم.
تلك هي صُوَر الحظيرة والقطيع والكرمة والبناء الروحي والمدينة المقدسة أورشليم السماوية ، ولا سيما صورة الجسد، الواردة في رسائل بولس الرسول، وتلقب الكنيسة أيضاً "بشعب الله" مستلهماً في ذلك تاريخ الخلاص بكامله. "لم يشأ الله أن يحقق البشر تقديسهم وخلاصهم منفردين، بلا رباط يجمعهم. بل ارتضى، على عكس ذلك، أن يجعل منهم شعباً، يَنْشُد معرفة الله بالحق وخدمته في القداسة".
"واما انتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي امة مقدسة شعب اقتناء لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة الى نوره العجيب. الذين قبلا لم تكونوا شعبا واما الان فانتم شعب الله.الذين كنتم غير مرحومين واما الان فمرحومون"(1بط 2: 9 -10)
الروح القدس الذي وعد به الرب يسوع قبل صعوده إلى السماء ، الذي هو منذ الأزل، رباط الثالوث الأقدس، والذي وحَّد بين ناسوت المسيح ولاهوته، (غلا 4: 4) هذا الروح بالذات هو، على مرّ الأجيال المسيحية، ينبوع الشركة الأخوية الذي لا ينقطع ولا ينضب، في الكنيسة.
4- شركة عضوية: تنوّع وتكامل:
إنّ الشركة الأخوية هي شركة عُضوية، شبيهة بتلك التي تجمع بين أعضاء جسدٍ حيّ وفاعل. إنها تتميّز فعلاً بكونها، في ذات الوقت، متنوعة ومتكاملة، بِتَنَوّع وتكامل ما في الكنيسة من دعواتٍ وأوضاع حياة وخدمات ومواهب ومسؤوليات. وبفضل هذا التنوع وهذا التكامل، يصبح كلٌّ من المؤمنين، على علاقة بالجسد كله، ويُسْهم بنصيبه في خدمة هذا الجسد. ويركّز بولس الرسول بنوع خاص على الشركة العُضوية القائمة في جسد المسيح "إن يسوع المسيح، إذ أرسل روحه إلى إخوته، الذين جَمَعهم من كل الأمم، جعل منهم جسده. وفي هذا الجسد، تتدفّق حياة المسيح في المؤمنين... وكما أن جميع أعضاء الجسد البشري، على تعددها، لا تؤلف إلا جسداً واحداً، كذلك المؤمنون يؤلِّفون جسداً واحداً في المسيح.
"لأنه كما ان الجسد هو واحد وله اعضاء كثيرة وكل اعضاء الجسد الواحد اذا كانت كثيرة هي جسد واحد كذلك المسيح ايضا". (1كو 12:12).
هكذا يتجلّى في بناء جسد المسيح تنوّع مواهبه المختلفة لخير الكنيسة، على قدر غناه، وبقدر ما تحتاجه الكنيسة من خدمات (1كو 12: 1 – 11).
الشركة الأخوية هي هبة كبرى من الروح القدس والمؤمنون مدعوون لأن يتقبّلوها بشكر. وهذا يتحقق فعلاً عن طريق مشاركتهم في حياة الكنيسة ورسالتها، واضعين بتصرّفها خدماتهم ومواهبهم المتنوعة والمتكاملة.
لا يحقّ للمؤمن الانطواء على نفسه والتزام العزلة الروحية عن الجماعة. بل يتوجّب عليه أن يعيش في مشاركة متواصلة مع الآخرين، وفي وعي عميق جداً للأخُوّة، وفي فرح المساواة في الكرامة، فضلاً عن نيته في أن يستثمر مع الآخرين المواهب والوزنات التي يهبها الروح القدسُ له ويدعوه للاضطلاع بمختلف الخدمات والمهمات. ويذكّره، كما يذكّر الآخرين - الذين هم على علاقة به - بأنه إذا امتاز عن غيره فليس بمزيد من الكرامة، بل بأهليته الخاصة والإضافية للخدمة.... وهكذا تندرج، في إطار الشركة، مواهب المؤمن وخدماته ومهماته لخير الجميع، بإرشادات رعاة الكنيسة وشيوخها.
5- أساليب المشاركة في حياة الكنيسة:
إنّ المؤمنين يؤلّفون شعب الله المختار، وجسد المسيح الواحد.
إذا كان كل مسيحي "عضواً" في الكنيسة، فهذا لا يمنعه من أن يكون، في ذاته، "كائناً فرْداً وفريداً"، بل إنّ هذا، على عكس ذلك، يُضفي على تفرُّده مضموناً أعمق، لأنّ هذا التفرّد هو مصدر تنوّع وثراءٍ للكنيسة جمعاء. وانطلاقاً من هذا الواقع، يدعو الله كلاًّ منا، في المسيح، باسمِه الخاص، لتأدية خدمة محددة لبنيان الجسد.
"ليكن كل واحد بحسب ما اخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضا كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة. ان كان يتكلم احد فكاقوال الله.وان كان يخدم احد فكانه من قوة يمنحها الله لكي يتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح الذي له المجد والسلطان الى ابد الابدين.امين" (1 بط 4: 10-11)
إن دعوة الرب القائل: "اذهبوا أنتم أيضاً إلى كرْمي" موجّهة إلى كل منّا شخصياً. وهي تعني أيضاً: "تعال اليوم واعمل في كرمي!"
وهكذا يقدّم كل منا ذاته، في تفرّده غير القابل للاستبدال، لِيُسهم في تنمية الشركة الأخوية، بشخصه وبعمله، كما أنه يتلقى الجعالة ، تلك هي "شركة القديسين" "فما يملكه الجميع يُصبح ملكاً لكل فرد، وما يملكه الفرد يُصبح ملكاً للجميع".
6- المشاركة الشخصية:
يتحتم على كل مؤمن أن يَعي دائماً وعياً عميقاً أنه "كل عضو في الكنيسة" مؤتمن على مهمة فريدة، لا يمكن استبدالها، عليه أن يؤديها لخير الجميع، ولا يجوز له أن ينتدب غيره للقيام بها. وتنطوي الرسالة الشخصية على مواهب، يجب اكتشافها، للقيام بالخدمة العملية. وبفضل هذه الخدمة يمكن أن تنتشر البشارة إلى كل مكان، والمقصود هنا هو الانسجام المستمر بين الحياة الشخصية والإيمان، إذ يشارك المؤمن إخوته مشاركة كاملة في أوضاعهم الحياتية، وفي عملهم وضيقاتهم وآمالهم، وبذلك يستطيع أن يَنْفَذ إلى قلب جيرانه وأصدقائه وزملائه، وينفتح على الأفق الكلّي وعلى مفهوم الحياة الكامل، أعني الشركة مع الله، والشركة بين البشر.
الرب يبارك حياتكم
Admin
المصدر: عظات مختارة ألقيت في كنيسة الرجاء الحي بألمانيا - 2010