العبـــادة الـــروحيــــــة
يوحنا 4: 1 – 30
مقدمـة:
من خلال هذه المقابلة بين الرب يسوع والمرأة السامرية والتي تعتبر أطول مقابلة يتحدث فيها البشير يوحنا، نستطيع أن ندرك مدى أهمية تسجيل وقائع هذه المقابلة وبالتالي يمكننا أن نتعلم أموراً كثيرة منها :
1- اللقاء المرتقب:
لقد ترك الرب يسوع اليهودية متجهاً نحو الجليل وكان لا بد له أن يجتاز السامرة مع أنه يمكنه الدوران حول السامرة شرقاً بمحاذاة نهر الأردن دون الدخول إليها كما كان يفعل غالبية اليهود، حيث أنهم لا يعاملون السامريين كيهود بسبب اختلاطهم مع الآشوريين أثناء السبي في القرن (7) ق .م. حيث أن السامريين لا يؤمنون إلا بكتب موسى الخمسة (تكوين -خروج – لاويين – عدد – تثنية). لذلك كان هناك بعد روحي عميق ومتأصل منذ القدم.
ولكن الرب يسوع كان لا بد له أن يجتاز السامرة لأنه كان يترقب اللقاء مع السامرية، تلك المرأة التي نبذها المجتمع بسبب حياتها الشهوانية الجسدية.
لقد بادرها الرب يسوع بالسؤال: "أعطيني لأشرب ..." فتعجبت السامرية كيف يخاطبها وهو انسان يهودي وهي امرأة سامرية.
أما يسوع فأراد أن يرفعها فوق كل هذه الخلافات ويعرفها على شخصه ، وهي صورة كل انسان بعيد عن الله يحاول أن يفتش في هذا العالم عما يرويه ويحقق رغباته.
فالرب يسوع لم ينظر إليها كامرأة سامرية خاطئة بل كإبنة لابراهيم، كخروف ضال يفتش عن راعيه. وهذه صورة كل واحد منا يعيش في وسط عالم مضطرب خاطىء ومظلم.
يعطينا هذا اللقاء صورة واضحة عن لقائنا مع الرب يسوع. فالرب كان لا بد له أن يجتاز السامرة. وهو يقول لك الآن : "لابد لي أن أجتاز عتبة قلبك لأدخل إليك وأخلصك من همومك وشقاوتك وخطاياك التي تتعبك".
"هانذا واقف على الباب واقرع.ان سمع احد صوتي وفتح الباب ادخل اليه واتعشى معه وهو معي" رؤ 3: 20 .
دعونا نتابع الحوار الشيق بين الرب يسوع والسامرية.
2- عطية الله العظمى:
"أجاب يسوع وقال لها لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لاشرب لطلبت انت منه فأعطاك ماء حيا" يو 4: 10
لقد أراد الرب أن ينقل السامرية من المستوى الجسدي إلى المستوى الروحي ويعرفها بعطية الآب السماوي للجنس البشري، فهو يريد أن يخاطبها ويدعوها لقبول عطية الله العظمى، إنها تقف أمام الله الابن وجهاً لوجه ، الواهب الماء الحي الذي يرمز إلى الكلمة، فهو الكلمة الذي صار جسداً وحل بيننا. "فدعا يعقوب اسم المكان فنيئيل . قائلا لاني نظرت الله وجها لوجه ونجّيت نفسي" تك 32: 30 . (المكان الذي صارعه فيه ملاك الرب).
لكن تفكير السامرية لا زال في حدوده الجسدية "قالت له المراة يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة. فمن اين لك الماء الحي" يو 4: 11
لقد أعوزها الايمان الحي لتدرك الحقيقة الكاملة وهذا ما نقع فيه جميعاً حيث أن الرب يقدم لنا كلمته لنحيا بها ولكن عيوننا تبقى معلقة بالأرضيات فلا نستطيع أن ندرك السماويات.
"فان سيرتنا نحن هي في السموات التي منها ايضا ننتظر مخلصا هو الرب يسوع المسيح" في 3: 20 .
فأجابته السامرية: "ألعلك اعظم من ابينا يعقوب الذي اعطانا البئر وشرب منها هو وبنوه ومواشيه." يو 4: 12 .
إنها القيود التي تقيدنا ربما الطائفية، الفروق العرقية والقومية والدينية والعادات المتوارثة عن الأجداد ، كلها قد تعيقنا عن إدراك أمور الله بالايمان.
"ونحن لم ناخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الاشياء الموهوبة لنا من الله" 1 كو 2: 12 .
"اجاب يسوع وقال لها.كل من يشرب من هذا الماء يعطش ايضا. ولكن من يشرب من الماء الذي اعطيه انا فلن يعطش الى الابد. بل الماء الذي اعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع الى حياة ابدية. " يو 4: 13-14 .
في هذه المرحلة من الحوار بدأ الرب يسوع يكشف عن ذاته بأنه الخبز الحي النازل من السماء الواهب حياة للناس والماء الحي الذي يروي العطاش إلى البر.
"ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" ... أي ألا يكون اهتمامنا بالجسد فقط "ماذا نأكل أو ماذا نشرب ؟..." فهو يريد أن يحدثها عن عطية الآب للإنسان التي هي الابن وعطية الابن التي هي الروح القدس . إنه يريدها أن ترتوي من روح الحياة.
"لان ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد اعتقني من ناموس الخطية والموت." رو 8: 2 .
أراد الرب يسوع من السامرية أن تنبذ الشهوات العالمية وأن تتمسك بالتقوى وتطلبه مخلصاً شخصياً وتجعله ملكاً وسيداً على حياتها وتتخلص من قيود ابليس والعالم والجسد.
هنا أحست السامرية بحاجتها الجسدية للماء الطبيعي لأن أنظارها لا زالت معلقة بالماء الجسدي "قالت له المراة يا سيد اعطني هذا الماء لكي لا اعطش ولا اتي الى هنا لاستقي." يو 4: 15 .
هنا بادر الرب يسوع إلى مصارحتها عن خفايا قلبها، لا يعطينا الرب عطية الروح القدس ما لم نتخل عن شهوات العالم.
3- الاعتراف الصريح والغفران المريح:
"قال لها يسوع اذهبي وادعي زوجك وتعالي الى ههنا. اجابت المرأة وقالت ليس لي زوج. قال لها يسوع حسنا قلت ليس لي زوج. لانه كان لك خمسة ازواج والذي لك الان ليس هو زوجك. هذا قلت بالصدق" يو 4: 16-18 .
هنا نجد أن السامرية فتحت قلبها للرب يسوع وهو اول عمل نفعله عندما نأتي إلى الرب أي أن نصارحه بما يتعبنا من أحزان وتجارب وضيقات ومخاوف ... وأن تكون لنا الثقة الكاملة بانه يقبلنا رغم خطايانا وهذا ما فعلته السامرية فهي لم تخجل بماضيها بل صارحته بالحقيقة تائبة فنالت غفراناً كاملاً.
هنا أدركت السامرية أن من يكلمها ليس مجرد انسان يهودي أو سيد. "قالت له المراة يا سيد ارى انك نبي. اباؤنا سجدوا في هذا الجبل (جرزيم) وانتم تقولون ان في اورشليم الموضع الذي ينبغي ان يسجد فيه" يو 4: 19-20.
كانت السامرية امرأة متدينة لكنها كانت متدنية في حياتها، وبعد أن تجاوزت حياة الخطية والجسد استطاعت أن تفكر في عبادة الله. هنا يتدخل الرب ليصحح مفاهيمها الخاطئة عن العبادة.
هكذا نحن أيضاً عندما نأتي إلى الرب ونعترف بخطايانا وتمحى بدم المسيح ندرك خطأ الطريقة التي كنا نعبد بها الله. وهنا يبدأ الرب يفهمها بالتدريج كيف تكون العبادة الحقيقية والمقبولة عند الله. ويؤكد لها بأن الخلاص هو من اليهود حيث الأنبياء وعهود الاشتراع التي كانت تنبىء عن مجيء المسيح من نسل داود ليخلص العالم بأسره، فلا فرق بين السامريين واليهود واليونان... لأن الكل أخطأوا وأعوزهم مجد الله.
4- العبادة الحقيقية المقبولة عند الله:
"ولكن تاتي ساعة وهي الان حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للاب بالروح والحق.لان الاب طالب مثل هؤلاء الساجدين له. الله روح.والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا." يو 4: 23 .
بعد أن انتقلت السامرية إلى المستوى الروحي استطاع أن يكلمها الرب بالروحيات فأكد لها أن الله روح وعبادته بالروح والحق ينبغي ان تكون ولا تهمه العبادات الجسدية والطقسية. وهذا يتم بعد توبة قلبية عن خطايانا ونوال غفراناً كاملاً وأبدياً بدم المسيح وقبول الروح القدس وبذلك نكون شربنا وارتوينا من ماء الحياة الذي يرمز لكلمة الله "أيها العطاش جميعاً هلموا إلى المياه ..." اش 55: 1 . "من يعطش فليأت ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجانا" رؤ 22: 17.
وهكذا نستطيع أن نتقدم إلى أبينا السماوي كأبناء لله لعبادته وتمجيد اسمه وشكره على الخلاص الذي نلناه.
هنا أدركت السامرية عمق لاهوت الرب يسوع فتذكرت بالمسيا الذي كانت تنتظره ليخبرها عن كل شيء "قالت له المراة انا اعلم ان مسيا الذي يقال له المسيح ياتي.فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء." يو 4: 25.
قد سبق القول عن السامريين أنهم قبلوا خمسة أسفار موسى وزعموا أنهم شعب الله المختار وأن معبدهم على جبل جرزيم هو الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيهِ. فكانوا ينتظرون المسيح المُتنبأ عنهُ كنبي عظيم يكون قادرًا أن يحلَّ كل مشاكلهم ويصلح جميع الأمور السيئة.
لم تزل تلك المرأة المسكينة منتبهة لكلام الرب مع أنها لم تقدر أن تُدرك معناهُ. فشعرت بعجزها وباحتياجها إلى تعليم المسيح المنتظر وأقرت بذلك، ونرى هنا أن التواضع أمام الله والاعتراف بجهالتنا واحتياجنا إلى مساعدتهِ انفع جدًا من الاكتفاء بما عندنا والتظاهر بأننا نفهم كل شيء لأنها حالما أقرت باحتياجها للمسيح بادر أن يُظهر ذاته لها. "قال لها يسوع: أنا الذي أُكلمك هو" يو 4: 26. سبق وتأنى عليها إلى انه قادها أن تطلب منهُ ماء الحياة ثم استمر يتكلم معها حتى شعرت باحتياجها إليهِ ثم أعلن نفسهُ لها بصريح اللفظ كالمُتنبأ عنهُ والقادر أن يعلمها كل شيء.
عندما أدركت السامرية الحقيقة الكاملة وعرفت بأنه المسيا المنتظر ونالت غفراناً كاملاً عن خطاياها السالفة وشربت من ماء الحياة، الكلمة المتجسد، استطاعت أن تؤدي العبادة الحقيقية للآب بقبولها الابن والروح القدس ثم تركت جرتها "فتركت المراة جرتها ومضت الى المدينة وقالت للناس. هلموا انظروا انسانا قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح. فخرجوا من المدينة واتوا اليه" يو 4: 28-30 .
هنا نجد معنى عميقاً، عندما نتعرف على الرب يسوع ونشرب من ماء الحياة علينا أن نترك مشارب العالم وشهواته وننطلق لنخبر الآخرين كما فعلت السامرية، لقد تركت جرتها التي كانت ترمز لحياة الخطية والشهوات والخوف وذهبت إلى الآخرين الذين كانت تتجنبهم سابقاً لتخبرهم بأنها وجدت المسيا دون خجل من ماضيها.
وهكذا نجد أن من يتعرف على الرب يسوع وينال خلاصه الكامل يتخلص من حمل الخطية ويحمل بر المسيح الذي يجعله مقبولاً في عبادته لله أبيه السماوي ويترك ماضيه الأثيم وينطلق نحو الشهادة للآخرين ويسير بالطريق الذي سار به الرب يسوع لينادي بملكوت الله ويدعو الآخرين لدخوله.
5- أنــواع العبـــادات المطلوبة:
يوصي الكتاب في عدة شواهد عن العبادة العائلية أو المذبح العائلي، وهو ضروري جداً لكي نعبد الرب ونقرأ كلمته ونصلي طبعاً هذا لا يوقف العبادة الفردية أو الخلوة الشخصية.
لقد تكلم يشوع عن العبادة العائلية بقوله : " واما انا وبيتي فنعبد الرب" يش 24: 15
نحن بحاجة أن نرفع بعضنا البعض بالصلاة ونضع مشاكلنا العائلية أمام الرب بالصلاة فأولادنا بحاجة لصلواتنا كأهل لأننا الوحيدون القادرون أن نعرف احتياجاتهم عن قرب.
أما العبادة الجماعية فهي العبادة الكنسية مع جماعة المؤمنين وهي ضرورية جداً كالعبادة الفردية والعائلية لأننا بحاجة أن نصلي من أجل أمراضنا وأعمالنا وبلادنا وما يحدث في العالم من كوارث أو حروب. كما أننا بحاجة أن نصلي من أجل مشاكلنا داخل الكنيسة وخارجها ومن أجل خلاص النفوس واضطهاد الكنيسة.
" فاطلب اول كل شيء ان تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لاجل جميع الناس لاجل الملوك وجميع الذين هم في منصب لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار. لان هذا حسن ومقبول لدى مخلصنا الله. الذي يريد ان جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون." 1 تي 2: 1-4
ولإلهنا كل المجد إلى الأبد. آمين
Admin
المصدر: عظات ألقيت في كنيسة الرجاء الحي - ألمانيا 2010