2- كنيسة سميرنا رؤيا 2: 8 - 11
"وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ سِمِيرْنَا: «هَذَا يَقُولُهُ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، الَّذِي كَانَ مَيْتاً فَعَاشَ. أَنَا أَعْرِفُ أَعْمَالَكَ وَضَِيْقَتَكَ، وَفَقْرَكَ (مَعَ أَنَّكَ غَنِيٌّ) وَتَجْدِيفَ الْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُوداً، بَلْ هُمْ مَجْمَعُ الشَّيْطَانِ".
"سميرنا" تعني المر. إنها تُذكر مراراً وتكراراً في الكتاب المقدس مُتصلة مرتبطة بحنوط الميت. كان يجب سحق المر وطحنه لكي يعطي أريجاً أو عبيراً. هذا يُشير إلى الفترة عندما كانت الكنيسة مسحوقة تحت ظلم واضطهاد الإمبراطورية الرومانية الوثنية, ومع ذلك فإنها لم تُعطِ أبداً هكذا عبيراً حلو الرائحة إلى الله كما في هذين القرنين من الاستشهاد المتواصل تقريباً.
"هَذَا يَقُولُهُ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، الَّذِي كَانَ مَيْتاً فَعَاشَ". يا له من أمر مبارك أن تعرف أنَّ أبناء الله مرتبطين مع المسيح المُقام! إن قوة قيامته تعمل فيهم. فيقول: "إني عارف بأعمالك وضيقتك وفقرك, ولكنك غني". لقد كان هذا هو اليوم عندما كانت الكنيسة مكروهة, محظورة ومضطهدة. فبدل العبادة في أبنية فخمة ضخمة, كانوا يتجمعون معاً في الكهوف, والسراديب وأماكن الاختباء الأخرى, مع خفـر معينيين لتحذيرهم عند اقتراب أعدائهم. وإذ كان العالم يُبغضهم ويحتقرهم, ويدينهم كأعداء للإمبراطورية بسبب إيمانهم وولائهم للمسيح, كانت حياتهم ثمينة لله. لقد كانوا في عينيه أغنياء. كانوا فقراء بأمور هذا العالم, ولكن أغنياء في الإيمان.
ولكن حتى في ذلك الوقت, لم يكن كل شيء كاملاً؛ ولذلك فإنه يقول "أَنَا أَعْرِفُ تَجْدِيفَ الْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُوداً، بَلْ هُمْ مَجْمَعُ الشَّيْطَانِ". في هذا إشارة إلى حركة التهويد التي دخلت إلى الكنيسة في القرون الأولى. لقد كانت خمير الغلاطيين الذي لم يكن قد دِين بالكامل, والذي لاقى رواجاً مذهلاً مدهشاً في القرنين الثاني والثالث.
إنه يقول "لاتخف. فضيقتك ستدوم عشرة أيام". إنه لأمر ذي مغزى أنه في القرنين الذين استمر فيهما الاضطهاد الروماني, والذي بدأ بنيرون وانتهى عام 312 ميلادية, كان هناك عشرة مراسيم واضحة مميزة تطلب من الحكام أن يطاردوا المسيحيين في كل مكان وأن يقتلوهم. وكان الأخير تحت حكم ديوكليتيانوس. لقد كان المُضطَهِد رقم 10. وكان المسيحيون الأوائل يعتقدون أنه سيكون الأخير, وقد كان هكذا فعلاً.
ناشد حنا - مكتبة الأخوة
كما أن الاضطهاد العاشر والأخير دام عشر سنين. ما أجمل توافق أعمال الله ! "كُنْ أَمِيناً إِلَى الْمَوْتِ" المقصود هنا هو عدم إنكار المسيح ولو أدى الأمر إلى الاستشهاد، حيث تُقدم الحياة رخيصة في سبيل الأمانة له. ثم يأتي بعد ذلك الوعد الذي يشجعهم ويحفزهم لمقابلة ما يأتي عليهم بشجاعة وثبات.
"فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ" أي التمتع بالحياة الأبدية بكامل ثمارها في محضر الرب نفسه بعد التغيير على صورة جسد مجده، فإن فقد المؤمن الأمين حياته على الأرض في سبيل الرب فإنه سيتمتع بالحياة بمعناها الصحيح متوجة مكللة. وهناك أنواع من الأكاليل تذكر في الكتاب، منها: "إكليل البر" الذي هو المكافأة على العيشة بالبر على الأرض (2 تي 4: 8 ) و "إكليل المجد" وهو المكافأة على رعاية قطيع الرب (1 بط 4: 5) و "إكليل الحياة" وهو المكافأة على احتمال التجربة والأمانة إلى الموت (يع 1: 12، رؤ 2: 10). والجميل إن الأكاليل يعطيها الرب نفسه شخصياً "فسأعطيك".
كما قال القديس أوغسطينوس "إن دم الشهداء هو بذار الكنيسة".
إن شهادة المحتضرين أيضاً قادت مضطهديهم لأن يقبلوا الرب يسوع المسيح مخلصاً لهم بسبب القدرة المقنعة في الحق المتجلي في الشهداء. إن جهود الشيطان ليُدمّر المسيحية بالاضطهاد كانت دون جدوى. ولكن كانت تلك أياماً أن تكون فيها مسيحياً أمرٌ ذو معنى. عندما كان شعب الله يُسحق كالمر فكم كانت الرائحة المنبعثة منهم عطرة، وكم كان شذى المحبة المسيحية يرتفع إلى عرش الله في السماء.
مرة أخرى يُشجِع السامع الراغب ليصغي لصوت الروح القدس. والغالب وُعِد بألاَّ يناله الموتُ الثاني. الغالب هنا شخص يبرهن حقيقة إيمانه باختياره أن يذهب إلى السماء بضمير صالح ولا يبقى على الأرض بضمير رديء. إنه لن يؤذيه الموت الثاني، الذي هو مصير غير المؤمنين كلهم. إن الموت الأول بالنسبة لهم ما هو إلا رقاد، وهو ربح لهم لأنه ينقلهم ليكونوا مع المسيح. أما الموت الثاني، وهو الطرح في بحيرة النار للعذاب الأبدي والانفصال الأبدي عن الله فلا سلطان له عليهم.
"مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْقِيَامَةِ الأُولَى. هؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً ِللهِ وَالْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ. وَطُرِحَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. هذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي." (20: 6، 14 ).
المصدر: عظات ألقيت في كنيسة الرجاء الحي في مانهايم - ألمانيا 2011